Wednesday, April 09, 2014

عبق الياسمين

 سلام الرحمة... سلام العفو... سلام المقدرة!  أتجتمع مقلبة للأفئدة؟!

أين تلك المخلوقات الخيالية؟

تختبئ خلف جدران مجعدة!

وخلف أسوار شاهقة!

بعبثية مطلقة... تنام بنصف عين... تستيقظ بنصف وعي... حتى لا تسقط في الهاوية!

تختبئ... وتختبئ.... وتختبئ


هذا ما ظنَّته في رحلتها المستقبلية عن ماهية الأفئدة وتناست أي محاولة للبحث عنها

اعتادت أن تتجول بين الأضرحة...ولكنها ليست بأضرحة!

تمارس الاعتيادية بلحظاتها القاتلة، المملة، وأحيانا المتغابية!

تندس في الفراغات بين لحوم متزاحمة تفسح لها مكانا، تفتعل لها صوتا، تتصنع 

اللامبالاة من ملامح وجهها العابسة،

تتراقص بخطواتها على موسيقى باهتة، تنتقل بها من ضريح المكتب إلى ضريح الطعام لضريح النوم!

تعيش مع والديها، أرهقهما الزمن كفاحا، ربما استسلموا لآلية الحياة وتركوها تتعامل مع حياتها في ظل صولاتهم وجولاتهم مع الزمن ولكنها على كل حال شاكرة

رضيت بالروتينية المنحدرة من أجداد أجدادها، اتخذت طرقا مهمشة سقطت بها من خريطة الحياة
 كان صفا من الرجال يترنح جيئة وذهابا،يتمايل على أغصان نفورها في محاولة يائسة لإرضائها،يتساقطون كالطيور المنجرحة، وتراهم طيورا جارحة، فتتأفف من أن تصير فريسة راضخة فتصارع كل ذرة من كيانها وتسعى لرصه كالبنيان المتماسك حتى لا يخترقه العدو الغادر!
 فبدت لهم كالمارد البارد

حتى دق ناقوس الخطر ليفزعها من أماكن متفرقة فاستسلمت أعضاء جسدها للاشيء كما استسلمت هي له من قبل!

بلهفة مترائية، وعين ذابلة، تتبعت ملامح الطبيب لتستقرئ الحقيقة من وراء كلامه، فلطالما لم تثق في ظواهر الرجال حتى ولو كان هذا الرجل طبيبها!

رمقته بنظرات متعثرة، مبعثرة عندما لفظ كلمات ليست مترابطة!

-لا أجد تفسيرا طبيا محددا لما أصابك فقط أعضاؤك بدأت تذوي وتذبل بالتدريج لتموت في النهاية كامرأة عجوز في خريف عمرها

مابك أيها الطبيب أعبث العلم برأسك فخرّبها أم أنك لا ترى ماهو أوضح من الشمس!
كيف لي أن أذوي كامرأة عجوز وأنا لم أتوارَ عن عقد العشرينيات بعد!!

 فقط ارتسمت على وجهه تعبيرات مبهمة غير واثقة وانصرف عنها وتركها في تلك الغرفة البيضاء بأجهزتها المتصلة بها التي بدت لها كأرجل عنكبوت يرسل نسيجه على جسدها ليطمسها تماما!

وكعادتها المنصرمة استسلمت متراضية وربما غير مباليةما الذي يجبرني أن أحارب إرادة أعضاء حمقاء قررت أن تستسلم!
وبين شد وجذب بينها وبين طبيبها فهو يريدها أن تقاوم، تخرج إلى الحديقة، تتجول بالمشفى ولا تظل مستكينة هكذا في انتظار الموت حتى قررت أخيرا أن تفعل ما يريد وفي لحظة تجل غير محددة بعد أن انتهك الألم جسدها مرارا وتكرارا قررت مواجهة أعضائها

ماذا بكم؟! أرأيتم أن ليس للحياة معنى؟ أم أن المستقبل أكثر قتامة من ظلمة القبر؟!

أجابوا بهمهمات متفرقة وقام الكبد متكاسلا متصدرا للحوار
-ظنناك يئست من الحياة الغابرة،رأيناك تستسلمين لأفواه الموت الفاهرة، فما جدوانا إذا كنت عن الحياة مدبرة!

أطرقت ببصرها مليا تمايلت برأسها قليلا ثم همست
- لم أقصد أن أدبر، لم أقصد أن أنفر، لم أقصد أن أتغاضى عنكم... لكن... ظننت أن...المقاومة الدائمة ليست مجدية! فالأقدار واقعة واقعة!

سرت همهمات أخرى بينهم ثم أكمل
- لسنا وحدنا من أراد الرحيل ولنا عقل مدبر وصمت...

وهنا تراءى من بعيد سيد مجيد بوشاح أسود مقيت

-من أين تراءيت لي كعفريت؟
-أأنت الآن مستيقظة!
 بعد غفوتك الحمقاء المتناسية! أيتها الخاوية.
 -رويدك قليلاً ... ماذا فعلت بحقك متغاضية؟!
 -هذا هو الأمر..لم تفعلي شيئًا، تركتِني للذئاب العاوية تنهش لحمي، تشرب دمي ثم تلقيني لتلك الضباع الضارية من عذاب لعذاب وأنا أتنهد ظلمة ويأتي يوم جديد لتنالي مني مرات متلاحقة
 -عجبت لك!!... ما أنت إلا عضلة! من ولاك مسئولا عن أمر المشاعر! لم لا يكون العقل هو الأم الحاضنة؟!
-وماذا حدث لك عندما تربع العقل على عرش روحك؟! تفانيتِ كقطعة من تراث تناست أصلها فضاعت بين جنون وموتأنت أرض قاحلة...نبذتيني فنبذتك حياتك المتقاعسة.
 أسقط في يديها، لم تدر ما العمل!

تركتهم ونادت الممرضة لتخرجها قليلا إلى الحديقة... خرجت بها الممرضه علي كرسي متحرك وأوقفتها بجانب باقة من زهور الياسمين تمايل عبقها متراقصا حتى وصل أنفها فاستنشقته بكل ما لديها من طاقة ثم ابتسمت على استحياء

شاهدت نحلة متوترة تنتقل من زهرة لأخرى مستنفرة...لا تستقر على زهرة أبدا 

فأطلقت ما يشبه ضحكة عابرة

 -عجبا لك! أمامك هذا الكم من الأزهار المتفتحة وأنت لا ترضين بأي منها ومازلت بالحيرة متوشحة!

عند تلك اللحظة المبهمة لمحت ضيا يعبر أمامها علي عجل لم تنتبه له جيدا ولكنه اختطف كيانها بمروره

تسمر جسدها في مكانه اضطرب قلبها قليلا وكأنه يستنجد..اجترت ذاكرتها ذلك الحلم البعيد من بين أطلال النسيان حيث دفنته بدون شاهد قبر حتى لا تعرف مكانه مرة أخرى ولكن عقلها لعب بها بحنكة وسخر الذاكرة لتحييه وتأتي به لها.
 -معقول!! تلك المخلوقات الخيالية حقيقية؟!!!

وهذه المرة استجابت يدها لأمر قلبها وبدأت بتحريك كرسيها مسرعة خلف الضي، ترى أثره من بعيد فتقتفي أثره

ولكنه ضاع منها في منتصف الطريق خبا الضي وخبا اضطراب قلبها، لملمت أذيال

 خيبتها واتجهت لغرفتها حيث الموت في الانتظار 

وضعت أحمال رأسها على وسادة خاوية غفلت عيناها لتنطلق لعالم آخر خارج حدود البشرعالمها الأصلي حيث قابلت المخلوقات الخيالية خلف الجدران المجعدة قررت أن تستكين هناك بعض الوقت

رحماك ربي... رحماك ربي


عندما تشرق الشمس على صفحة ماء باتت في ظلمة فيتلألأ سطحها بحرارة وشغف ليس لهما مثيل، هذا ما حدث عندما تراءى الضي مرة أخرى لتخرج من ظلمة جفونها وتتفتح أساريرها وتتناسى الألم والمرض للحظات،

كانت تسمع الكلمات ولكن لا تدرك معناها فهي مازالت هناك خلف الجدران  ثم رحل الضي آخذا معه بعضا من الظلمة التي عكفت على قلبها طويلًا...............



النهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاية


تصحيح لغوي 
أسما عبد الرؤوف


1 comment:

taag company said...
This comment has been removed by a blog administrator.